لن أكتب عن أي طرف خسر أكثر من الآخر لأنه ببساطة “ما في داعي” و لا وقت لدي لهذا الجدل العقيم. و لن أكتب عن قدرة الكيان على تسوية الأرض بمن فيها في كل دول الجوار و ليس في غزة وحسب لأنه ببساطة “ما في داعي”. و لن أكتب عن الإمكانيات البسيطة للمقاومة لأنه ببساطة “ما في داعي” و لأن يا عزيزي القارئ لو لا الخلل الكبير في ميزان القوة لما كان هذا المحتل محتلا و لما استطاع أن يبقى علي غطرسته التي جعلت بلاد العرب ماء راكدا عفن ، لا سيما إن تعلق الموضوع بشأنه و احتلاله و ظلمه و قتله و تعذيبه و تهجيره و استهزاءه بكل ما (كان) يفخر العرب به من نخوة و شهامة و شجاعة.
كل ما أطلبه منك يا عزيزي القارئ ان تضع نفسك محل أب أو أم في هذا القطاع المحاصر و تخيل، فقط تخيل الذل و المهانة التي عليك أن تتحملها كي تلبي متطلبات عائلتك الأساسية، تخيل طوابير الإهانة و المنة على المعابر العربية منها قبل العبرية. تخيل عدو يحسب كم من قطرة ماء و كم سعرة حرارية مسموح لها دخول قطاعك تضمن لهم ان لا تقع مجاعة محرجة و في نفس الوقت تضمن لهم أنك و عائلتك لن تبيتا أبدا شبعى. و تخيل الاعتقالات الإدارية و التغييب لسنين من دون سبب و رؤية أنذل من وضع على الأرض وهم يهدمون بثوان ما بنيته في سنين من بيوت و مزارع و مدارس و مشافي على رؤوس فلذات كبدك… و تخيل … و تخيل .. وتخيل..
لا يا عزيزي، لكل انسان طاقته إن فاقتها الظروف انفجر و لكل شعب صبر إن نفذ لا يمكن اسكاته إلا بإفنائه. لا يا عزيزي ، ليس في الصمود أي عبث ، حتى و إن كان هذا الصمود مجرد صرخة من الأعماق في وجه العدو : “إني عربي و إني لن أركع” … فما بالك اذا بما هو فوق ذلك من صمود و مقاومة. صمود شاهدناه معا في شعب أعزل محاصر اختار المقاومة إن وقف معه العالم أو لم يقف و إن نصره القريب أم كعادته خذله.
لا مكان للعبث في أرض تقاوم احتلال ، و ليس في آي فعل فيه ذرة مقاومة عبث في هذا الواقع المرير، العبث في أراض أخرى و في نفوس لم تتعلم أن للكرامة ثمن.